لكم فكركم ولى فكر
لكم فكركم ولى فكر بقلم اميمه
انتشرت منذ مدة ثقافة قمع الرأي عند محاولة التعبير عن الرأي الآخر.. مشكلة حقيقية أن ندخل في حوار ونقاش جاد مع شخص ما ليتحول الحوار باتجاه المرسل وإغفال المستقبل.. وساهم الإعلام كعادته في تعزيز هذه الظاهرة من خلال البرامج الحوارية كالاتجاه المعاكس.. أو ثقافة برامج الضيف الواحد.. وعادة ما يكون المذيع أو المحاور فيها محايدا.. فيعزز حياده المفتعل تلك الثقافة للأسف..
الرأي الواحد.. والبطل الواحد.. والفكر الواحد.. وثقافة الأنا المستبدة انتتشرت.. وكلها أمثلة حياتية انعكست على الإعلام وانعكس هو الآخر عليها.. وها هي معاولها لا تمل ولا تكل حتى في سيارات الأجرة بين أشخاص غرباء عن بعضهم البعض.. الجميع أصبح أبو العريف.. والكل يتشبث بظل العناد صائبا كان أو على خطأ.. وانعدمت ثقافة الحوار الراقي بأن يفند كل مزاعمه وأدلته ويترك الخيار للأخر أن يبدي وجهة النظر المقابلة بذات الطريقة.. حتى أن مجرد محاولة استثمار مهارات أحدهم في الإقناع تلاشت.. واستبدل الأمر بفرض الخضوع بحد السيف وأحيانا بالسيف كله..
يعمد البعض للأسف بترديد عبارات خارجة عن إطار الصحة أو المنطق بشكل كامل.. فمثلا قد يعتبر أحدهم أنه لا بد أن يفرض رأيه على الصغير لأنه الكبير.. أو على المرأة لأنه الرجل.. لمجرد تمييز عرقي أو جنسي أو أي كان.. وهذا رأي غير حكيم بتاتا.. بل سيكون له انعكاسات مستقبلية في غاية الخطورة إن لم نتدارك الأمر سريعا..
أين منا اليوم من يفعل فعلة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومن فوق منبره في خطبته أمام جمع المسلمين ليقول بكل حزم.. أخطأ عمر وأصابت امرأة..؟!!
لا يحق لأحد مصادرة لا الرأي ولا الرأي الآخر.. لكم فكركم ولي فكر.. فحرية الاعتقاد الديني ملك لله فقط.. سنها واهتدينا بها كيفما شاء..
أما حرية الاعتقاد الدنيوي ملك للفرد ذاته تبعا لبحثه وتحليله ولقناعاته الناتجة.. فلا يحق لأي كان إسقاط رأيه على الآخرين أو إجبارهم باعتناقه لا بترهيب ولا بترغيب.. بل كما أسلفت لنا البحث والتحليل ومن ثم الاقتناع بصدق الرؤى وتبني المواقف أو الرفض ببساطة..
إن كان رب السماء والأرض، وربنا رب كل شيء، الخالق، ترك لنا حرية الطريق التي نسلكها.. (إنا هديناك النجدين فإما شاكرا وإما كفورا).. وبعد التذكير والهداية والعلم بالشيء فـ(لا تزر وازرة وزر أخرى).. فكيف بالمخلوق ينكر هذا الحق ويحجبه ويصادره عن غيره أثناء التجادل حول فكر دنيوي يتغير بتغير الزمان والمكان..
لا ننسى قول علي رضي الله عنه: 'لا تحملوا أولادكم على عاداتكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم'.. وما الأولاد إلا أجيال تتلوا أجيال.. وما العادات سوى أفكار ترجمها البشر على هيئة سلوك فانتظم هذا السلوك كعادات..
والشاهد هنا أنه مادامت العادة غير ثابتة فإن الفكر غير ثابت أيضا.. ولكل وقت آذانه كما يقال.. وبالتالي فحرية الرأي مكفولة.. إذا لا يحق للآباء منع الأبناء من صوغ أفكارهم وترجمتها لسلوكيات تنعكس لاحقا كنهج حياة لهم.. وما الآباء إلا ولاة أمر.. وما الأبناء إلا جيل يتبع جيل..
ولأن العادات أصلها سلوك، جاء من ظهر فكر.. فالفكر إذا لم يُمنع منذ سالف العصر والأوان..
لا أظن أنه قد يوجد أحكم ولا أعدل ولا أتقى من علي كرم الله وجهه ليخرج فينا ويفتي بغير حرية الفكر.. مادام هذا الفكر دنيويا خالصا لا يتعارض مع أن الله واحد أحد، وأن الدين لله الإسلام، تماما كما نقله محمد صلى الله عليه وسلم، وكما بينه القرآن الكريم..